ردًّا على خرافة “خمسون عامًا من التنمية” | المنصة الصحراوية: “12-أكتوبر” تكشف في تحقيق خاص منظومة الإبادة الممنهجة ضد الشعب الصحراوي المكافح.
«12-أكـتوبر»العيون المحتلة / الصحراء الغربية
الجمعة: 21 نوفمبر 2025
في تحقيق خاص أعدّته المنصة الصحراوية: “12-أكتوبر” للإعلام والتواصل استنادًا إلى معطيات ميدانية وشهادات موثوقة وتقارير حقوقية، تكشف الوثيقة عن وجود بنية متكاملة من الممارسات التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية المتعددة الأبعاد، مورست ضد الشعب الصحراوي منذ الحقبة الاستعمارية الإسبانية، وبلغت ذروتها خلال فترة الاحتلال المغربي، الذي اعتمد — وفق التحقيق — على دراسات دقيقة وبعثات بحثية متعددة هدفت إلى فهم البنية الاجتماعية الصحراوية لإحكام السيطرة عليها.
التحقيق يعرض، بلغة تقييمية تعتمد مقاربات الأنثروبولوجيا الحقوقية، خريطة كاملة لأساليب الإبادة التي استهدفت المجتمع الصحراوي.
أولًا: الإبادة الجسدية المباشرة
رصد التحقيق ممارسات موثّقة تُصنَّف ضمن الإبادة الجسدية، أبرزها:
-
عمليات قتل ممنهج لمدنيين خلال موجات السيطرة الأولى.
-
إعدامات خارج القانون في فترات الحرب وما بعدها.
-
اختفاءات قسرية استُخدمت كوسيلة لتصفية المناضلين وإرهاب المجتمع.
هذه الأفعال تشكّل ما تصفه الأنثروبولوجيا بـ “الإبادة الميدانية”، الهادفة إلى ضرب التوازن الديموغرافي للجماعة.
ثانيًا: الإبادة الثقافية
أبرز ما وثّقه التحقيق في هذا الجانب:
-
طمس اللغة الحسانية وإقصاء الذاكرة الشفوية.
-
تجريم الرموز الوطنية ومنع العلم الصحراوي.
-
محو التاريخ المحلي وإحلال روايات رسمية بديلة.
-
إعادة تشكيل الهوية ببرامج دمج قسرية تستهدف البنية الصحراوية في عمقها الرمزي.
هذه الممارسات تمثّل القتل الثقافي الذي يستهدف تحويل الشعب إلى كتلة بلا ذاكرة وبلا سردية.
ثالثًا: الإبادة الاجتماعية
يُبيّن التحقيق أن الاحتلال المغربي اعتمد استراتيجية مفصّلة لضرب النسيج الاجتماعي، وتشمل:
1. تدمير البنية الاجتماعية:
-
تفكيك العائلات بفعل الاعتقالات والاختطافات والتهجير.
-
تفريق الجماعات وإعادة توزيع السكان ضمن مناطق مراقَبة.
-
فرض أنظمة قمعية تمنع التواصل الطبيعي وتخلق عزلة داخل المجتمع.
2. الحدّ من النسل والانجاب:
سجّلت المنصة، عبر تقارير متعددة، مؤشرات واضحة على:
-
ارتفاع غير طبيعي في نسب الوفيات.
-
سياسات تضييق تؤثر على الاستقرار الأسري والخصوبة.
-
غياب خدمات صحية متوازنة للسكان الصحراويين.
هذا الأسلوب يُصنَّف ضمن الإبادة الديموغرافية، التي تستهدف المستقبل البشري للجماعة.
رابعًا: الإبادة البيئية والمعيشية
وفق التحقيق، شكّل المجال الصحراوي نفسه هدفًا مباشرًا للسياسات الاستعمارية:
-
تهجير السكان من مواقعهم التاريخية.
-
مصادرة الأراضي وتغيير طابعها الاجتماعي.
-
محو أماكن الذاكرة الجماعية, بما فيها مقابر وأمكنة مرتبطة بالمقاومة.
-
خلق فضاء ملوّث بالألغام والجدار العسكري، ما يعزل الإنسان عن أرضه ويحوّل البيئة إلى منطقة موت.
في الأنثروبولوجيا، يُعتبر تدمير البيئة جزءًا من تدمير شروط البقاء الجماعي.
خامسًا: الإبادة الاقتصادية
يبرز التحقيق أن الصحراويين دُفعوا إلى الهامش الاقتصادي بفعل:
-
استنزاف الفوسفات والثروات البحرية دون أي منفعة للسكان الأصليين.
-
تهميش العمالة الصحراوية.
-
تدمير نمط العيش الرعوي التقليدي.
والنتيجة: مجتمع بلا قاعدة اقتصادية مستقلة.
سادسًا: الأذرع المحلية والدعم الخارجي للمخطط الاستعماري
تكشف المعطيات المتقاطعة التي جمعتها المنصة الصحراوية: “12-أكتوبر” أن تنفيذ هذا المخطط لم يكن حكرًا على أجهزة الاحتلال المغربي وحدها.
فقد اعتمد الاحتلال — بشكل مباشر وغير مباشر — على أدوات محلية داخل الجسم الصحراوي، بعضها كان محسوبًا شكليًا على المشروع الوطني، بينما أثبتت الأحداث أنّ ارتباطها الفعلي كان بشبكات النفوذ ذاتها التي تُشرف على عمليات الاختراق والضبط الاجتماعي.
وقد لعبت فئات محدودة من الخونة والعملاء دورًا حاسمًا في تسهيل الاختراق، سواء عبر تمرير المعلومات، أو عبر تشكيل واجهات اجتماعية تعمل على تفكيك الروابط الداخلية للمجتمع، في وقت كانت فيه قوى دولية نافذة تدخل المنطقة عبر بعثات متتالية دون منع يُذكر من سلطات الاحتلال.
هذا التناقض — وفق القراءات الحقوقية — يعكس وجود ترتيبات دولية تتجاوز الاحتلال التقليدي، وتعتمد على وكلاء محليين لضمان تنفيذ السياسات على الأرض بما يخدم أهداف إعادة تشكيل الواقع الديموغرافي والسياسي في الإقليم.
سابعًا: خمسون عاما من التنمية = خمسون عاما من الإبادة
ورغم ادعاءات الاحتلال المغربي المتواصلة بشأن “خمسين عامًا من التنمية”، إلا أن الوقائع الميدانية تُظهر مسارًا مغايرًا؛ خمسون عامًا من مخطط إبادة محكم استهدف الوجود الصحراوي في جوهره خمسون عامًا أفضت إلى تآكل البنية السكانية الصحراوية.
لقد حوّل الاحتلال ما يسمّيه “تنمية” إلى أداة لإقتلاع الإنسان من الأرض، وقد استُخدمت برامج الاحتلال الاقتصادية والإدارية كغطاءٍ لإحداث تغييرات ديمغرافية عميقة، تُعدّ في جوهرها المرحلة الختامية من مخطط الإبادة المركّب الذي استهدف الإنسان والهوية في الإقليم.
ثامنًا: الإبادة المعرفية ومنع الشهود
أخطر ما كشفه التحقيق هو ما تسمّيه المنصة الصحراوية: “12-أكتوبر” بـ الإبادة المعرفية:
منذ سنة 2014 إلى اليوم، تمّ منع أكثر من 316 مراقبًا وباحثًا دوليًا من دخول الأراضي المحتلة، بينهم مختصون في الفوتوغرافيا الوصفية، والأنثروبولوجيا، ومراقبو حقوقيون.
هذا المنع يُعد — وفق المعايير الدولية — محاولة واعية لـ حجب الحقيقة وقطع الطريق أمام أي أرشيف بصري مستقل.
الفوتوغرافيا الوصفية، التي تُعتبر أداة أساسية لتوثيق الانتهاكات، كانت مستهدفة بشكل مباشر، لكونها تُنتج صورًا غير قابلة للتحريف تكشف طبيعة الواقع الميداني.
تاسعاً: القتل الرمزي وتحويل الضحية إلى “غير موجود”
يشير التحقيق إلى أنّ الاحتلال اعتمد سياسة إعلامية وخطابية قائمة على:
-
شيطنة المجتمع الصحراوي أو تجاهله تمامًا.
-
إلغاء وجوده في الفضاء العام.
-
التحكم في السردية الرسمية واستبدال الضحية بـ”صورة صامتة” بلا حضور.
هذا يُصنَّف في الأنثروبولوجيا السياسية بـ القتل الرمزي، أحد أخطر أشكال الإبادة الحديثة.
خاتمة:
يوضح تحقيق المنصة الصحراوية: “12-أكتوبر” أنّ ما يتعرض له الشعب الصحراوي ليس مجرد سلسلة أحداث معزولة، بل منظومة إبادة متكاملة تستهدف الهوية، المجتمع، الذاكرة، البيئة، والديموغرافيا.
كما يشدّد التحقيق على أن منع المراقبين والباحثين هو دليل قاطع على رغبة الاحتلال في حجب الوقائع ومنع تشكّل أرشيف أممي مستقل.
وتدعو المنصة الصحراوية: “12-أكتوبر” الهيئات الدولية إلى التعامل مع هذه المعطيات بجدية، باعتبارها جزءًا من ملف لا يزال مفتوحًا ويستدعي المساءلة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.