رأي 12-أكـتوبر | أرشيفهم شاهد على جرائمهم: حقائق تاريخية عن أطماع فرنسا الإستعمارية وسجل هزائمها من طرف المقاومة الصحراوية.

359

«12—أكتوبر» العيون المحتلة / الصحراء الغربية

الخميس:08 أغسطس 2024

الحقد الفرنسي الدفين للشعب الصحراوي
توطئة

أقدمت فرنسا على الاعتراف بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وبهذا الموقف أخلت بمصداقية القرارات الدولية الضامنة لتقرير مصير الشعب الصحراوي بناء على قرار 1514 الذي يمنح الشعوب الحق في اختيار مستقبلها السياسي بعيدا عن أي ضغوط تعرقل هذا المبدأ المبني على تحريرها.

في مواقف متناقضة مع مبادئها الحقوقية (اعلان حقوق الانسان والمواطن 1789) وضاربة عرض الحائط ركائز فكرها (فلسفة الانوار) ومخلة بالتزاماتها الدولية (كعضو دائم في مجلس الأمن) لإشاعة وحفظ الأمن والسلم العالميين؛ تكون فرنسا قد سقطت الى الحضيض السياسي.

البعد التاريخي للعداء الفرنسي لكل ما هو صحراوي

لفرنسا ماض غير مشرف تجاه الشعب الصحراوي. البعد التاريخي للعداء الفرنسي لكل ما هو صحراوي ليس وليد اليوم، بل هو عداء ضارب في جذور التاريخ. لم تستطع فرنسا نسيان هزائمها التاريخية أمام شجاعة الصحراويين في العديد من الغزوات ” Rezzous” منذ بداية استعمارها لأرض “البيظان” أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. مثلت هذه الهزائم بالنسبة لفرنسا عقدة تبلورت الى حقد دفين واقتناص الفرص للقصاص من الصحراويين. النبش في ذاكرة المقاومة الصحراوية يفيد بما لا يدع مجالا للشك لماذا فرنسا هي هكذا بمواقفها العدائية ضد الشعب الصحراوي؟

عديدة هي المعارك التي غار فيها المقاومون الصحراوين على مواقع العدو الفرنسي. سجل الرائد الفرنسي غرو Grou في مذكراته من مارس إلى سبتمبر 1908 أكثر من 125 هجوما للمقاومين الصحراويين أدت إلى مقتل 200 جندي فرنسي من بينهم ثلاثة ضباط وخمسة ضباط صف.  من بين هده المعارك على سبيل المثال لا لحصر: – هجمة لبيرات سنة 1913 على القواتالفرنسية التي كان يقودها الضابط مارتان (Martin) وقضت على 55 جندي فرنسي واستولت على جميع أسلحتها وجمالها وذخيرتها: 105 بندقية و20000(عشرون ألف) صندوق ذخيرة و500 جمل. وانطلاقا من 1917 شملت حرب المقاومة كل التراب الصحراوي مما جعل القائد العام للقوات الفرنسية من سان لويس السينغال يبعث إلى كل وحداته رسالة مشفرة جاء فيها “اعتبروا أنفسكم في حالة الطوارئ القصوى ونفذوا في الحال مخطط الدفاع رقم 2″، وهكذا شرعت فرنسا في شن هجماتها ضد الصحراويين من موريتانيا والجزائر مستعمرتيها آنذاك ابتداء من 1919. – معركة أم التونسي 18 غشت 1932 حيث تم تدمير الفرقة الفرنسية المتنقلة في الترارزة ومقتل الملازم ماكماهون ابن رئيس الجمهورية الفرنسية الذي يسميه الصحراويون ” مقمق ” الذي خلف سخطا عاما في باريس. وقد ذكر النقيب الفرنسي دوتوه لويوسكي في كتاب الغزوات ما يلي: تمت مباغتة الفرقة الفرنسية المتنقلة وبعد أن هزمت تماما حيت مات الملازم ماكماهون وخمسة ضباط صف وعشرة رماة واثنان وعشرون من الحرس.. رجعت تجر أذيال الهزيمة. على إثرها في أكتوبر 1932، الوزير الأول الفرنسي زار إسبانيا، ليناقش مع السلطات في مدريد حول كيفية التغلب على المقاومة الصحراوية. وفي بداية 1934 انطلق التنسيق الفعلي الاسباني/ الفرنسي بهدف إخماد المقاومة الصحراوية عسكريا.  – معركة بئرأم مكرين سنة 1957 حيث شن 200 مسلحا صحراويا هجوما على دورية فرنسية. ما كتبه الفرنسيون بعد ذلك في مواجهتهم للصحراويين مخيف ومرعب؛ فالصحراويون يخرجون من تحت الأرض، من الريح من وراء الكثبان ومن بين الشجيرات ثم ينقضون على عدوهم ويمزقونه ويحطمونه في دقائق قبل أن تصل النجدات ثم يختفون في تلك الصحراء التي توفر لهم وحدهم الملجأ، والتي يعرفونها معرفتهم لوجوههم بالمرايا ومعرفتهم لأكف أيديهم. وقد تحدث عن هذا الضابط ” مرييه ” الذي انهزم في معركة لقليب سنة 1913 وهرب حين مات الضابط جيرارد، في كتابه ينصح كل من يقاتل الصحراويين؛ أن أفضل وسيلة للنجاة من قبضتهم ورصاصهم هي الهروب.  كل الكتابات الفرنسية تؤكد أن مواجهة الصحراويين كانت دائما كارثية ومحبطة ولا يمكن تصورها؛ فالقادة الفرنسيون الذين شاركوا في تلك الحروب ضد الصحراويين إما ماتوا أو هربوا من المعركة. ذكر الزعيم الاشتراكي الاسباني في أحد خطبه (كما نشرت صحيفة El Sol   الاسبانية تفاصيل الاقتراح في عددها الصادر في 2 آب / أغسطس 1933) بعدما عانت من الضربات الموجعة للمقاومة الصحراوية، بأنه طرح موضوع تبديل مناطق النفوذ مع اشتراكيي فرنسا في ذلك العهد، بحيث تحصل اسبانيا على مدينة طنجة مقابل تنازلها عن وادي الذهب.

وبفعل الضرابات المتتالية على فرنسا نظمت هذه الأخيرة عملية عسكرية أطلق عليها اسم عملية إيكوفيون (المكنسة) سنة 1958، التي تعد أكبر تآمر عسكري فرنسي/اسباني على الشعب الصحراوي للقضاء عليه كمقاومة في شمال افريقيا خوفا من العودة إلى غزوات عهد ما قبل 1934. بعد معركة الدشيرة يوم 13 يناير 1958، حيث تم قتل مائة جندي وضابط اسباني من بينهم النقيب خاوركو Jaurgu. شاركت اسبانيا ب 9000 جندي وضابط، و60 طائرة، أخذت العملية الاسبانية اسم أعلى قمة في جزر الكناري – جبل تيد Teide -،   وفرنسا شاركت ب 5000 جندي، و70 طائرة، و25 دبابة، أطلقت على العملية اسما مشفرا أيكوفيون (المكنسة). كانت القيادة العامة بقيادة الجنرال غابرييل بوركوندGabriel Bourgund، قائد القوات الفرنسية في غرب إفريقيا الفرنسي. أما القوات الإسبانية فیقودھا المقدم لوبیث فالینسیا Lopez Valencia. كان شعار عملية إيكوفيون” أطلقوا النار على كل من يتحرك بالصحراء”. ومن نتائجها اقتطاع أجزاء من شمال الصحراء الغربية وجنوب وادي درعة وتسليمها للمغرب.

لا غروة إذن أن تتخذ فرنسا هكذا مواقف للحيلولة دون تقرير مصير الشعب الصحراوي. فالعقدة تاريخية بل نفسية تثير حساسية الكراهية لشعب ركعها رغم قوتها الاستعمارية.

الموقف الحرج لفرنسا في منطقة الساحل والبحث عن البديل

تعيش فرنسا أحلك ايامها بعد طردها من منطقة الساحل والصحراء نظرا لماضيها الاستعماري والعنصري والاستنزاف المدمر لخيرات هذه البلدان الغارقة في الفقر والتخلف والجهل. بفضل نخبة عسكرية ثائرة على الوضع الاقتصادي في بلدانهم، قامت بانقلابات عسكرية ضد الأنظمة الموالية لفرنسا قصد تحرير بلدانها من الهيمنة الفرنسية وتحرير ثرواتها وبناء اقتصادها المعتمد على كفاءاتها الذاتية بعيد عن أي هيمنة أجنبية مع خلق شراكات اقتصادية مبنية على مبدأ تكافئ الفرص ومنطق رابح /رابح. عزلت فرنسا عزلا وأصبحت دولة منبوذة في افريقيا لتجد نفسها في أضعف موقف من حيث الاقتصاد المعتمد على مستعمراتها سابقا ولم تعد تمتلك حلولا لمعضلاتها المتفاقمة. وفي غياب رؤية استراتيجية تعيد لها أمجادها وهبتها في مناطق نفوذها سابقا، لجأت للبحث عن بديل تجد من خلاله نافذة على افريقيا وثراوتها. بحسب لغة المصالح تعترف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل فتح المغرب كل مجالاته الحيوية رهن إشارة فرنسا لاستثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية في الصحراء الغربية.

توقيت الاعتراف المزعوم:

يأتي اعتراف فرنسا بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في وقت فيه فرنسا أضعف مما يمكن أن تتخذ مواقف من هذا القبيل. فرنسا المهزومة في منطقة الساحل والصحراء والمطرودة منه مذلولة. فرنسا المنبطحة بفعل ضغط منظومة بيغاسوس الاستخباراتية التي كانت ضحيتها وفرنسا التي تعيش ازمة سياسية تديرها حكومة تصريف أعمال، ليست بحجم اتخاذ مواقف مصيرية في حق شعب مكافح. فهل ما قامت به فرنسا بعدما سدت أمامها كل المنافذ هو تآمر على المغرب الذي يبحث عن أي شيء يستنجد به في ملف الصحراء الغربية وبالتالي تقتنص الفرصة لتجد لنفسها موطئ قدم في شمال افريقيا المطل على منطقة الساحل والصحراء بناء على المبدأ الميكافللي (الغاية تبرر الوسيلة) لضرب حق شعب ومناصرة باطل؟ أم الأولى لفرنسا كدولة تحترم قيمها “حرية، مساواة، أخوة” وكعضو دائم بمجلس الامن الالتزام بقرارات مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء الغربية؟

تداعيات الاعتراف المزعوم

من خلال ردود الفعل الوطنية والدولية، الاعتراف المزعوم لا يشكل أي أهمية مؤثرة على مسار التسوية الأممية الافريقية لقضية الصحراء الغربية، ذلك أن أي حل يجب أن يمر عبر اجراء استفتاء حر وعادل يضمن للشعب الصحراوي الحق في اختيار مصيره.

  أ – على المستوى الوطني. منذ 13 نوفمبر 2020 أعلن الشعب الصحراوي الكفاح المسلح بدون رجعة بعد وقف إطلاق النار الذي كان موضوع اتفاق سنة 1991 بين البوليساريو والمغرب تحت اشراف الأمم المتحدة والذي دام ما يقارب ثلاثين سنة تعطلت فيها قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الامن كمآمرة مع سبق الإصرار للحيلولة دون تقرير مصير الشعب الصحراوي. القيادة الصحراوية تعي مخاطر هذا الاعتراف القديم/ الجديد لفرنسا كمحاباة للمغرب حتى تحصل على منفذ على المنطقة، ولأن المغرب يوجد في أضعف موقف في احتلاله للصحراء الغربية منذ 1975 مستعد للتحالف مع الشيطان لضمان استمرار نظامه؛ فإن ردة فعل الشعب بقيادته السياسية وجيشه الشعبي لن يسمحوا أن يكون هذا الاحتضان المتبادل بين المغرب وفرنسا على حساب إرادة الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال.

ب – على المستوى الدولي. قضية الصحراء الغربية تعتبر قضية تصفية استعمار اعتبارا من قرار الأمم 37/34المتحدة سنة 1979 الذي يصف المغرب بقوة احتلال، ومسجلة في اللجنة الرابعة ضمن الأقاليم الغير المتمتع بالحكم الذاتي، لهذا انطلاقا من 1991 توجد على أرض الصحراء الغربية بعثة المينورسو الموكول لها بتنظيم استفتاء للتعبير عن إرادة الشعب بكل حرية وديمقراطية. كما أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية تتمتع بالعضوية كاملة في الاتحاد الافريقي ومن المؤسسين له. والادهى أن المغرب كدولة محتلة يعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة مستقلة لها حدودها الموروثة عن الاستعمار الاسباني حيث جاءت في الترتيب 39 وذلك من خلال الجريدة الرسمية بتاريخ 31 يناير 2017عدد 6539 مكرر، ويدخل معها في مفاوضات تحت اشراف المبعوث الأممي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة.

فلا اعتراف ترامب عبر منصة توتير في نهاية ولايته ولا اعتراف سانشيز عبر رسالة مجهولة لم تمر بالبرلمان الاسباني كتبت تحت اكراه الضغوط ولا اعتراف فرنسا في ظل حكومة تصريف أعمال سيغير شيئا في قرارات الأمم المتحدة وفي حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وبالتالي فالاعترافات المزعومة ليست إلا زوبعة في فنجان لا أقل ولا أكثر.

من تــــــــوقيع:
مختص بالشأن الصحراوي عن: 12 أكتوبر

التعليقات مغلقة.