الصالح بوغريون ينعي قيصر الإنتفاضة | سنظل نغرس جذورنا في تربة واحدة تمتد كما امتد تاريخنا من وادنون شمالا إلى عين بنتيلي جنوبا.

14

«12-أكـتوبر» باريس / فرنسا

السبت: 16 أغسطس 2025

حين يجِف ماء النخيل، أو تصبح شجرته عاقرا فلا تثمر، نعلم أن في الواحة فقدا، وحين يغيب عنَّا أحد المناضلين الوطنيين، يبدأ النخيل بشحوبٍ غير مألوف، كأن جذوره حزينة، وكأن الواحات تحني رؤوسها في صمت، وهذا ما حدث فعلا، حين رحل رجل اسمه ابراهيم والصبار كانت كنيته.

عرفتُ الرجل في أحد أيام الانتفاضة التي كانت تغرس أشجارها في تربة النضال، وتروي بستانها بدماء الشهداء، وضريبة المعتقلين والمختطفين، وعرق وجهد المناضلين، فتثمر من كل قطرة عطاء جديدا. كان ذلك في بهو محكمة من محاكم الاحتلال، أين كنا ننتظر خروج قضاة قرقوش ليوزعوا أحكامهم التي جُهزت مسبقا في مطابخ المخابرات المغربية على مجموعة من المعتقلين السياسيين الصحراويين، حينها سحبني برفق إلى جانب منعزل وبابتسامة هادئة قال لي: لقد قرأت ما كتبه عنك عميل المخابرات المغربية، محمد رضا الطاوجني، في جريدته الصفراء. ثم همس إليّ بنصيحة ثمينة، علّمني بها كيف أتعامل مع مثل هذه المواقف بصلابة وهدوء، كما يتعامل الجمل مع هبوب الرياح في صحرائه.

لقد كان إبراهيم الصبار، وله من اسمه نصيب، صلبا كالنبتة التي تتحدى العطش، وصابرا على وعورة تضاريس الوطن، تُرى فيه دماثة الخلق كما تُرى الشمس في الأفق. شيخا يحمل في قلبه روح شاب، ويمشي بينهم كأحدهم.

في ليلة استقبال من شتاء عام 2010، بعد عودته ومجموعة من المناضلين من مخيمات اللاجئين الصحراويين، وفي منزل أهل أميدان بحي الإنعاش بالعاصمة الجريحة، ترك مجلس الشيوخ في الصالة، ودخل علينا في الغرفة المجاورة، حيث يجلس الشباب، أخذ يحدثنا عن الرحلة النضالية إلى المخيمات، عن الدولة الصحراوية ومؤسساتها، عن الصحة، عن التعليم، حتى عن المقررات الدراسية، كان يفصّل لنا بإيجاز بليغ، يصف لنا المشهد وينقله من هناك وكأنه شريط مصور، ساررني أحد الرفاق هامسا في أذني: لن تجد مكانا فيه الشباب إلا وإبراهيم الصبار بينهم، ينصح بتواضع، يُرشد بعلم، ويهدي بمعرفة.

لقد كان نخلة باسقة، ظلّها رحب، وثمرها وفير، وجذورها ضاربة في أرض الصحراء، لا تلين أمام الرياح ولا تنكسر أمام العواصف. وبرحيله، على غرار رحيل قامات نضالية أخرى، أمثال حسنا الولي، فضيلي گاودي وفاطمتو دهوار، وغيرهم ممن تركوا بصماتهم خالدة في الفعل النضالي التحرري، لتظل شعلة الانتفاضة بالداخل المحتل متّقدة في كل جيل، ولنظل بذلك نغرس جذورنا في تربة واحدة تمتد كما امتد تاريخنا من وادنون شمالا إلى عين بنتيلي جنوبا، لا تعترف بخطوط تُرسم على الرمل، ولا بأسوار تُقيمها اتفاقيات استعمارية زائلة. سنبقى كأغصان نخيل تتشابك فوق ودياننا وكثباننا، نستظل بظل واحد، ونتقاسم ماء الحياة، حتى يكتمل بستان الوطن، ونقطف ثمار الحرية بحرية.

 

التعليقات مغلقة.